فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ}
قوله تعالى: {قُرُبَاتٍ}: مفعولٌ ثان ليتخذ كما مرَّ في {مَغْرَما}. ولم يختلف قُرَّاء السبعة في ضم الراء من {قُرُبات} مع اختلافهم في راء {قربة} كما سيأتي، فيحتمل أن تكون هذه جمعًا لقُرُبة بالضم كما هي قراءة ورش عن نافع، ويحتمل أن تكون جمعًا للساكنها، وإنما ضُمَّت اتباعًا لغرفات وقد تقدم التنبيه على هذه القاعدة وشروطها عند قوله تعالى: {فِي ظُلُمَاتٍ} [الآية: 17] أولَ البقرة.
قوله: {عِندَ الله} في هذا الظرفِ ثلاثة أوجه:
أظهرها: أنه متعلقٌ بـ {يَتَّخذ}.
والثاني: أنه ظرف لـ {قربات} قاله أبو البقاء، وليس بذاك.
الثالث: أنه متعلقٌ بمحذوف لأنه صفةٌ لـ {قربات}.
قوله: {وَصَلَوَاتِ الرسول} فيه وجهان أظهرهما: أنه نسق على {قربات} وهو ظاهرُ كلام الزمخشري فإنه قال: والمعنى أنَّ ما ينفقه سببٌ لحصور القربات عند الله: {وصلوات الرسول} لأنه كان يدعو للمتصدِّقين بالخير كقوله: «اللهم صل على آل أبي أوفى» والثاني: وجَوَّزَه ابن عطية ولم يذكر أبو البقاء غيره أنها منسوقةٌ على {ما ينفق}، أي: ويتخذ بالأعمال الصالحة وصلوات الرسول قربة.
قوله: {ألا إِنَّهَا قُرْبَةٌ} الضمير في {إنها} قيل: عائد على {صلوات} وقيل: على النفقات أي المفهومة من {يُنفقون}.
وقرأ ورش {قُرُبَة} بضم الراء، والباقون بسكونها فقيل: لغتان. وقيل: الأصل السكون والضمة إتباع، وهذا قد تقدم لك فيه خلاف بين أهل التصريف: هل يجوز تثقيل فُعْل إلى فُعُل؟ وأن بعضَهم جعل عُسُرًا يُسُرًا بضم السين فَرْعين على سكونها. وقيل: الأصل قُرُبة بالضم، والسكون تخفيف، وهذا أَجْرى على لغة العرب إذ مبناها الهرب مِنَ الثِّقَل إلى الخفة.
وفي استئناف هذه الجملة وتصدُّرِها بحرفَيْ التنبيه والتحقيق المُؤْذنين بثبات الأمر وتمكُّنه شهادةٌ من الله بصحة ما اعتقده من إنفاقه، قال معناه الزمخشري قال: وكذلك سيُدْخلهم، وما في السين من تحقيق الوعد. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99)}
تَنَوَّعُوا؛ فمنهم مَنْ غَشَّ ولم يربح، ومنهم مَنْ نَصَحَ فلم يَخْسِرْ، فأمَّا الذين مذقوا فهم في مهواةِ هوانِهم، وأما الذين صَدَقُوا ففي رَوْح إحسانهم. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: الناس ثلاثة: المتضررون المعذرون المعترفون بتقصيرهم، والقاعدون الكذابون، والناصحون المخلصون في الطلب ولكن فيهم الضعفاء والمرضى والفقراء فلا حرج عليهم في القعود عن طلب الكمال بالظواهر مع اشتغال البواطن في الطلب بقدر الاستعداد.
{ولا على الذين إذا ما أتوك} بطريق المتابعة {لتحملهم} على جناح الهمة النبوية وتوصلهم إلى مقامات لم يكونوا بالغيها بجناحي البشرية والروحانية {قلت لا أجد ما أحملكم عليه} ترفًا ودلالًا واستيراء لزناد أشواقهم كما قيل لموسى لن تراني زيادة لشوقه وهم أغنياء لهم الاتسعدادات الكاملة فلم يستعملوها في طلب الكمال كسلًا وميلًا إلى اللذات العاجلة.
{الأعراب أشد كفرًا} إن في عالم الإنسانية بدوًا هو نفسه وحضرًا هو قلبه، والكفر والنفاق للنفس مقتضى الذات كما أن الإيمان للقلب لذاته بالفطرة، وقد يصير القلب كافرًا بسراية النفس وقد تصير النفس مؤمنه بسراية القلب، ولكن النفس تكون أشد كفرًا من القلب الكافر كما أن القلب يكون أشد أيمانًا من النفس المؤمنة.
{حدود ما أنزل الله على رسوله} يعني الواردات النازلة على الروح فإن القلب حضر الروح كما أن المدينة حضر الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن النفوس من يعتقد أن ما يصرف من أوقاته في طلب الكمال ضائع وخسار وينتظر بالقلب اشتغالًا وفترة.
{عليهم دائرة السوء} باستيلاء القلب عليها وقهرها بما يخالف هواها {والله سميع} يجيب هذا الدعاء {عليم} بمن ينبغي أن يسمع في حقه. اهـ.

.تفسير الآية رقم (100):

قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر القسم الصالح منهم وكانوا متفاوتين فمنهم السابق وأكثرهم التابع اللاحق، أتبعه السابقين على وجه شامل حاصر لصنفي البادي والحاضر إشارة إلى أنه- وإن أجره- أصله فقد قدمه وصفه بحيث ساوى أهل الكمال في مطلق الانخراط في ملكهم والفوز بدرجتهم لإحسانه في اتباعهم ترغيبًا لأهل القدرة والرحمة في اتباع أهل الرضوان والنعمة فقال: {والسابقون} ولما دل على سبقهم بالعلو في مراتبه دل على قديم دخولهم فيه فقال: {الأولون} أي إلى هذا الدين القيم {من المهاجرين} أي لدار الكفر فضلًا عن أهلها {والأنصار} أي الذين آووا ونصروا {والذين اتبعوهم} أي الفريقين {بإحسان} أي في اتباعهم فلم يحولوا عن شيء من طريقهم {رضي الله} أي الذي له الكمال كله {عنهم} أي بأفعالهم هذه التي هي وفق ما أمر به {ورضوا عنه} أي بما أتاهم عنه من البشرى وقذف في قلوبهم من النور بلطيف الوعظ والذكرى {وأعد لهم} أي جزاء على فعلهم {جنات تجري} ونبه على عموم ريّها وكثرة مائها بنزع الجار على قراءة الجماعة فقال: {تحتها الأنهار} أي هي كثيرة المياه.
فكل موضع أردته نبع منه ماء فجرى منه نهر؛ ولما كان المقصود من الماء إنما هو السهولة في إنباطه بقربه ويسر جريه وانبساطه أثبته ابن كثير دلالة على ذلك كسائر المواضع، ولعل تخصيص هذا الموضع بالخلاف لأنه يخص هذه الأمة، فلعلها تخص بجنة هي أعظم الجنان ريًا وحسنًا وزيًا.
ولما كان أعظم العيوب الانقطاع، نفاه بقوله: {خالدين فيها} وأكد المراد من الخلود بقوله: {أبدًا} ثم استأنف مدح هذا الذي أعده لهم بقوله: {ذلك} أي الأمر العالي المكانة خاصة {الفوز العظيم}. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{من تحتها} بزيادة من: ابن كثير. والباقون بحذفها وبالنصب على الظرف.
{والأنصار} بالرفع: يعقوب: الآخرون بالجر.
{إن صلاتك} على التوحيد: حمزة وعلي وخلف وعاصم غير أبي بكر وحماد. الباقون على الجمع بكسر التاء علامة للنصب {مرجون} بواو ساكنة بعد الجيم: أبو جعفر ونافع وحمزة وعلي وخلف وعاصم سوى أبي بكر وحماد. الباقون بالهمزة المضمومة بعد الجيم.
{الذين اتخذوا} بغير واو: أبو جعفر ونافع وابن عامر {أسس بنيانه} مجهولًا في الحرفين: ابن عامر ونافع {حرف} بسكون الراء: ابن عامر وحمزة وخلف ويحيى وحماد. الباقون بالضم {هار} بالإمالة: أبو عمرو وحمزة في رواية ابن سعدان وأبي عمرو وعلي غير ليث، وابن حمدون وحمدويه والنجاري عن ورش وابن ذكوان غير ابن مجاهد والنقاش ويحيى وحماد {إلى أن} قرأها يعقوب. الباقون {إلا أن} {تقطع} فعلًا ماضيًا أو مضارعًا بحذف التاء من التفعل: ابن عامر ويزيد وحمزة وحفص والمفضل وسهل ورويس.
{تقطع} مضارعًا مجهولًا من التقطع: روح. الباقون {تقطع} مضارعًا مجهولًا من التقطيع.

.الوقوف:

{بإحسان} لا لأن قوله: {رضي الله عنهم} خبر {والسابقون} {أبدًا} ط o {العظيم} o {منافقون} ط لمن قدر ومن أهل المدينة قوم مردوا، ومن وصل وقف على {أهل المدينة} تقديره هم مردوا {على النفاق} ط ومن قدر ومن أهل المدينة قوم احتمل أن يجعل {لا تعلمهم} صفة للقوم فلم يقف {لا تعلمهم} ط {نحن نعلمهم} ط {عظيم} o ج لاحتمال أن يكون التقدير ومنهم آخرون وأن يكون معطوفًا على {منافقون} أو على قوم المقدر {سيئًا} ط {عليهم} ط {رحيم} o {وصل عليهم} ط {لهم} ط {عليم} o {الرحيم} o {والمؤمنون} ط {تعملون} o {يتوب عليهم} ط {حكيم} o {من قبل} ط {الحسنى} ط {لكاذبون} o {أبدا} ط {أن تقوم فيه} ط {أن يتطهروا} ط {المطهرين} o {في نار جهنم} ط {الظالمين} ط {قلوبهم} ط {حكيم} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}
واعلم أنه تعالى لما ذكر فضائل الأعراب الذين يتخذون ما ينفقون قربات عند الله وصلوات الرسول، وما أعد لهم من الثواب، بين أن فوق منزلتهم منازل أعلى وأعظم منها، وهي منازل السابقين الأولين.
وفي الآية مسائل:

.المسألة الأولى: اختلفوا في السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار من هم؟

وذكروا وجوهًا: الأول: قال ابن عباس رضي الله عنهما: هم الذين صلوا إلى القبلتين وشهدوا بدرًا وعن الشعبي هم الذين بايعوا بيعة الرضوان.
والصحيح عندي أنهم السابقون في الهجرة، وفي النصرة، والذي يدل عليه أنه ذكر كونهم سابقين ولم يبين أنهم سابقون فيماذا فبقي اللفظ مجملًا إلا أنه وصفهم بكونهم مهاجرين وأنصارًا، فوجب صرف ذلك اللفظ إلى ما به صاروا مهاجرين وأنصارًا وهو الهجرة والنصرة، فوجب أن يكون المراد منه السابقون الأولون في الهجرة والنصرة إزالة للإجمال عن اللفظ، وأيضًا فالسبق إلى الهجرة طاعة عظيمة من حيث إن الهجرة فعل شاق على النفس، ومخالف للطبع، فمن أقدم عليه أولًا صار قدوة لغيره من هذه الطاعة، وكان ذلك مقويًا لقلب الرسول عليه الصلاة والسلام، وسببًا لزوال الوحشة عن خاطره، وكذلك السبق في النصرة، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لما قدم المدينة، فلا شك أن الذين سبقوا إلى النصرة والخدمة، فازوا بمنصب عظيم، فلهذه الوجوه يجب أن يكون المراد والسابقون الأولون في الهجرة.
إذا ثبت هذا فنقول: إن أسبق الناس إلى الهجرة هو أبو بكر، لأنه كان في خدمة الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان مصاحبًا له في كل مسكن وموضع، فكان نصيبه من هذا المنصب أعلى من نصيب غيره، وعلي بن أبي طالب، وإن كان من المهاجرين الأولين إلا أنه إنما هاجر بعد هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا شك أنه إنما بقي بمكة لمهمات الرسول إلا أن السبق إلى الهجرة إنما حصل لأبي بكر، فكان نصيب أبي بكر من هذه الفضيلة أوفر، فإذا ثبت هذا صار أبو بكر محكومًا عليه بأنه رضي الله عنه، ورضي هو عن الله، وذلك في أعلى الدرجات من الفضل.
وإذا ثبت هذا وجب أن يكون إمامًا حقًا بعد رسول الله، إذ لو كانت إمامته باطلة لاستحق اللعن والمقت، وذلك ينافي حصول مثل هذا التعظيم، فصارت هذه الآية من أدل الدلائل على فضل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وعلى صحة إمامتهما.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون المراد من سبق إلى الإسلام من المهاجرين والأنصار، لأن هؤلاء آمنوا، وفي عدد المسلمين في مكة والمدينة قلة وضعف.
فقوي الإسلام بسببهم، وكثر عدد المسلمين بسبب إسلامهم، وقوي قلب الرسول بسبب دخولهم في الإسلام واقتدى بهم غيرهم، فكان حالهم فيه كحال من سن سنة حسنة فيكون له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة؟ ثم نقول: هب أن أبا بكر دخل تحت هذه الآية بحكم كونه أول المهاجرين، لكن لم قلتم أنه بقي على تلك الحالة؟ ولم لا يجوز أن يقال: إنه تغير عن تلك الحالة، وزالت عنه تلك الفضيلة بسبب إقدامه على تلك الإمامة؟
والجواب عن الأول: أن حمل السابقين على السابقين في المدة تحكم لا دلالة عليه، لأن لفظ السابق مطلق، فلم يكن حمله على السبق في المدة أولى من حمله على السبق في سائر الأمور، ونحن بينا أن حمله على السبق في الهجرة أولى.